أكد ضرورة رفد سوق العمل بالكوادر المؤهلة واستمرار تحديث المهارات –
كتبت – نوال بنت بدر الصمصامية:-
أكد سعادة الدكتور سعيد بن حمد الربيعي أمين عام مجلس التعليم أن الاستراتيجية الوطنية للتعليم 2040 تركز على بناء نظام للتعليم التقني والمهني يتسم بالنفاذية ليعمل على تعزيز التنقل والترابط بين مختلف مهن التعليم التقني والمهني ووظائفه، بالإضافة إلى أهمية تحقيق التوازن في التعليم المدرسي بين التعليم الأكاديمي والتعليم المهني، وتوفير مجموعة من الخيارات للطلبة وفقاً لرغباتهم وقدراتهم واحتياجاتهم، بما يتطلب التوسع في فتح مسارات للتعليم المهني بعد مرحلة التعليم الأساسي.
وقال الربيعي في حوار مع «عمان»: إن التعليم التقني والمهني يعد الطريق الأكثر ملاءمة لبناء مسار وظيفي ناجح في مجالات عديدة ومتنوعة ترتبط مباشرة باحتياجات ومتطلبات سوق العمل، ويعمل على تأمين يد عاملة متخصصة وماهرة ونابضة بالحياة والتفكير المبتكر، حيث إن سوق العمل العُماني في حاجة ماسة لمخرجات هذا النوع من التعليم، ولابد من رفد سوق العمل بالكوادر البشرية المؤهلة المتخصصة في مختلف المجالات التقنية والمهنية والاستمرار في تحديث المحتوى المعرفي والمهاري والاستفادة من التقنيات الحديثة لتزويد الطلبة بالمستجدات، وبما يتواكب مع المتغيرات المتسارعة في سوق العمل.
ويرى سعادته ضرورة إيلاء هذا النوع من التعليم أهمية خاصة من قبل القطاعين الحكومي والخاص، وتحسين الصورة النمطية، وحث الشباب العماني وتحفيزه على الالتحاق بالمؤسسات والمراكز التقنية والمهنية، وإعطاء مخرجاتها المكانة التي يستحقونها والارتقاء بالمؤهلات المهنية ورفع منزلتها بما يتواءم مع أهميتها في المجتمع وسوق العمل.
– الإطار الوطني للمؤهلات مكون أساسي لإدارة الجودة وتطوير المهارات –
– المعلم العماني عنصر مهم بمنظومة التعليم وصانع المستقبل الأفضل للأجيال –
واعتبر الربيعي التعليم التقني والتدريب المهني في السلطنة مكوناً حيوياً يهدف إلى تأهيل الكوادر البشرية في التخصصات التقنية والمهنية، وتنمية مهاراتهم وقدراتهم الفردية، إذ أن هذا النوع من التعليم يرتبط بالمؤسسات التي تتسم بالطابع العملي والتطبيقي، والمختصة بإعداد الكوادر البشرية المتمكنة من الانخراط في سوق العمل.
وأشار إلى أنه في هذا الصدد تعمل وزارة القوى العاملة بجهود ملموسة في تطوير التعليم التقني والتدريب المهني والتوسع في برامجه وتخصصاته التعليمية والتدريبية وربطها بمتطلبات سوق العمل من الكوادر البشرية، كما تقوم بتشجيع التدريب القائم على رأس العمل، والإسهام في توفير برامج التوجيه والإرشاد المهني، وتنفيذ البرامج المتعلقة بتشغيل القوى العاملة الوطنية بالتنسيق مع الجهات المختصة، كما تقوم بإعداد الشباب العماني وتأهيله في مرحلة التعليم ما بعد الأساسي.
تخطيط مستمر ورسم السياسات
وعن دور مجلس التعليم في التخطيط ورسم السياسات التعليمية، قال الربيعي: انطلاقاً من الرؤية السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- وتوجيهاته السامية الكريمة بمراجعة سياسات التعليم وخططه وبرامجه وتطويرها، وذلك بما يواكب المتغيرات التي يشهدها الوطن، والمتطلبات التي يفرضها التقدم العلمي والتطور الحضاري. فقد جاء صدور المرسوم السلطاني رقم (48/2012) بإنشاء مجلس التعليم وإصدار نظامه، الذي يهدف إلى النهوض بالتعليم بمختلف أنواعه ومراحله ومخرجاته والعمل على ضمان جودته، وبما يتوافق مع السياسة العامة للدولة وخطط التنمية ومتطلبات سوق العمل.
وأضاف: استجابة للتوجيهات السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة -أيده الله- يعكف مجلس التعليم على رسم السياسة العامة للتعليم بمختلف أنواعه ومراحله، ويعمل على توجيهه بما يتفق والسياسة العامة للدولة ومتطلبات التنمية الشاملة، وبما يؤدي إلى تحقيق أهداف فلسفة التعليم في السلطنة.
وفي هذا الإطار يعمل المجلس على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتعليم في سلطنة عُمان 2040 بالتنسيق مع الجهات المختصة، إذ يتكامل هذا العمل مع مشروع دراسة إعادة هيكلة منظومة التعليم بمختلف أنواعه ومراحله، والتي أنجزت في عام 2013م، إضافة إلى إشراف المجلس على إعداد قانوني التعليم المدرسي والتعليم العالي، والمشاريع التطويرية الأخرى التي تعدها الجهات المعنية بالتعليم في السلطنة.
الإطار الوطني للمؤهلات
وأشار أمين عام مجلس التعليم إلى أنه بناءً على قرار مجلس التعليم بقيام الهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي بالعمل على تطوير الإطار الوطني للمؤهلات بحيث يشمل المؤهلات الأكاديمية والمهنية والاحترافية وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية، تقوم الهيئة بإعداد وتطوير الإطار الوطني للمؤهلات المعمول به حالياً في السلطنة، الذي يتضمن المؤهلات الأكاديمية فقط؛ إلى إطار شامل يتضمن المؤهلات الأكاديمية والمهنية والاحترافية بالإضافة إلى التعليم المدرسي، تلبية لحاجة السلطنة لإطار شامل وموسع يتضمن أنواع ومستويات التعليم كافة.
وقال الربيعي: إن الإطار الوطني للمؤهلات يعد مكوناً أساسياً من مكونات النظام الوطني لإدارة الجودة، وأداة لتطوير وتصنيف المهارات والمعارف والكفايات والاعتراف بها؛ وفقاً لتسلسل معين، كما أنه طريقة لهيكلة المؤهلات المعمول بها في السلطنة حالياً، وكذلك المؤهلات الجديدة والمستقبلية. وتتمثل أهميته في كونه يُستخدم من قبل جهات متعددة ولأغراض مختلفة، وعلى سبيل المثال، فإن المؤسسات التعليمية، تستفيد من الإطار الوطني للمؤهلات في وضع وتطوير برامجها التعليمية، وأما جهات ضمان الجودة فتستفيد منه في الترخيص للبرامج المزمع طرحها واعتمادها، وبالنسبة للطلبة، يتمثل دور الإطار في المساعدة في تطوير معارفهم ومهاراتهم، كما يمكّنهم من الانتقال العمودي من مستوى لآخر، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة لهم للانتقال الأفقي بين أنواع التعليم والتدريب المختلفة في حال رغبتهم بذلك. أما أصحاب الأعمال، فإن الإطار الوطني يتيح لهم إمكانية التعرف على مستوى المعرفة ونوعها، والمهارات التي تحصل عليها مخرجات المؤسسات التعليمية المختلفة في السلطنة. وعلى المستوى العالمي، فإن الإطار الوطني للمؤهلات يتم استخدامه في التطوير المهني للموظفين في مختلف القطاعات، حيث يمكّن الموظف من الارتقاء عمودياً من مستوى لآخر عن طريق التدريب، أو الخبرة العملية، أو الحصول على مؤهل احترافي أو مهني.
الجدير بالذكر أن الهيئة وبالتنسيق مع الجهات المعنية بالتعليم قد قطعت شوطاً في إعداد هذه الوثيقة المرجعية المهمة، وتتطلب بعض الوقت لإكمالها، وذلك وفق المراحل والخطة الزمنية الموضوعة.
إعداد وتأهيل المعلمين
وعن سياسات إعداد وتأهيل المعلمين، أكد الربيعي أن المعلم العماني عنصر أساسي في تقدم وتطور منظومة التعليم وهو صانع التغيير لمستقبل أفضل لأجيال عُمان المستقبلية.
وقال: على الجميع السعي نحو وضع المعلم في المكانة اللائقة به. وقطعت السلطنة دوراً مهماً في إعداد وتأهيل الكوادر العمانية التي أثبتت قدرتها وجدارتها في الميدان التعليمي، ونظراً للنمو المتزايد في الحاجة للمعلمين؛ فقد أقر مجلس التعليم تحويل كلية العلوم التطبيقية بالرستاق إلى كلية للتربية تُعنى بإعداد المعلمين وتأهيلهم، وكذلك طرح برنامج التأهيل التربوي في جامعة السلطان قابوس وعدد من الجامعات الخاصة، وزيادة أعداد الطلاب الملتحقين بكلية التربية بجامعة السلطان قابوس. وإدراكاً من وزارة التربية والتعليم بالتحديات التي تواجهها في عناصر المنظومة التربوية المختلفة كافة، وخاصة تلك المتعلقة بالجوانب التأهيلية والتدريبية للهيئات التدريسية والوظائف المرتبطة بها، وإعطائها الأولوية في خططها وبرامجها التطويرية، فقد سعت إلى تنفيذ مشروع وطني طموح للنهوض بقطاع التنمية المهنية لتطوير المعلمين والهيئات الوظيفية المرتبطة بها، تمثل في إنشاء المركز التخصصي للتدريب المهني للمعلمين، الذي يُعنى بالارتقاء بالمعلم وصقل مهاراته وقياس أدائه، وإيجاد آليات وخطط واضحة لتدريبه ومتابعة وتحليل أدائه في الحقل التربوي.
كما يقوم المجلس حالياً وبالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم والجهات المعنية الأخرى بالعمل على وضع سياسات إعداد وتأهيل المعلمين التي تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف أبرزها: رسم السياسات العامة وتحديد الأطر المنظمة والمواصفات المعيارية اللازمة لبرامج إعداد المعلم العُماني وفق المعايير والنظم العالمية الناجحة، وتحقيق معايير الجودة في أداء المعلم، وتمهين مهنة التعليم، ووضع الضوابط والأسس اللازمة لمنح التراخيص لمزاولة مهنة التعليم والتدرج فيها.
وأضاف أمين عام مجلس التعليم قائلا: إذا أردنا فعلياً إنجاح تطوير منظومة التعليم المدرسي؛ فعلينا أن نعطي العنصر البشري المتمثل في المعلم والإدارة المدرسية جل الاهتمام والتقدير، ونرفع بمستوى التأهيل والتدريب للارتقاء بجودة الأداء وصولاً إلى التطوير المنشود، والمستويات التي نطمح في الوصول إليها في التعليم المدرسي.
استثمار لأجيال المستقبل
وبخصوص التعليم المدرسي الخاص ومجال التوسع والاستثمار فيه، أوضح الربيعي أن الاستثمار في التعليم بجميع أنواعه ومراحله، يعد استثماراً في أجيال المستقبل المتطلع إلى بناء وطنه ورفعة شأنه، ولذلك ينبغي أن يبتعد المستثمرون عن المنظور التجاري، والنظر إلى أن هذا النوع من الاستثمار على أنه – في المقام الأول- مساهمة من القطاع الخاص للنهوض بأجيال عمان المستقبل التي يعول عليها في بناء الدولة، وتسهم في تعزيز وتنمية الاقتصاد العماني.
وهنالك العديد من الفرص المتاحة، التي تمكن القطاع الخاص من الاستثمار في قطاع التعليم، وبالأخص في مرحلتي التعليم قبل المدرسي والتعليم المدرسي في جميع محافظات السلطنة مع التأكيد على أهمية تجويد العملية التعليمية، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإعداد الكوادر البشرية وتنميتها وتأهيلها.
وأكد أنه لا بد من توفير مقومات للاستثمار والاستجابة لدعمها، من أجل تحقيق شراكة حقيقية ومستدامة لدعم المبادرات، في إنشاء وتطوير مرافق التعليم المدرسي الخاص، والعمل على إيجاد رؤية مستقبلية تتعلق بتخصيص الأراضي والمواقع الإنشائية المناسبة، والتي تتمتع بقربها من الخدمات والتجمعات السكنية لإنشاء مباني المدارس الخاصة وفق المعايير التي تراعي توفر البيئة التعليمية المناسبة، بالإضافة إلى تبسيط إجراءات حصول المستثمر على التراخيص وفقا للمعايير والإجراءات المعتمدة عن طريق إيجاد محطة واحدة تمتلك الصلاحيات المناسبة للنظر في طلبات تراخيص إنشاء هذه المدارس المزودة بكوادر تتمتع بكفاءة عالية في المجال التربوي والتعليمي، وكذلك وجوب التأكيد على أهمية إيجاد نظام للتقييم معتمد من قبل الهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي ووزارة التربية والتعليم؛ بهدف تصنيف مستويات الجودة في المدارس الخاصة ومواءمة ذلك مع الرسوم الدراسية. كما أنه لا بد من إيجاد قنوات تفاعلية للتواصل المباشر والحوار المستمر والجاد من أجل الوقوف على أية تحديات تواجه القطاع الخاص وصولاً إلى تذليل الصعاب، وإيجاد الحلول الناجعة لكل الأطراف، بحيث لا يكون تأثير ذلك على حساب جودة التعليم، إذ أن الجودة مسألة يجب أن ألا يفتح باب للمساومة عليها.
شراكة حقيقية ومستدامة
وشدد أمين عام مجلس التعليم على دور الأسرة والمجتمع في المشاركة في تحسين التعليم، مشيرا إلى أن الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، ومشاركة مختلف شرائح المجتمع الأخرى من أجل تحسين التعليم والنهوض به، تتطلب النظر للتعليم على أنه قضية وطنية تحتاج إلى دعم ومساندة قطاعات المجتمع كافة، بدلاً من كونه مسؤولية حكومية فقط، وذلك من أجل تعزيز مفهوم المواطنة، وحب الوطن، وتعميق روح الانتماء لجميع أطياف المجتمع.
وقال الربيعي: إن مساهمة الأسرة في دعم وتحسين التعليم، تعد إسهاماً من المجتمع في النهوض بجودة التعليم، فلا بد أن نعي نحن الآباء والأمهات دورنا الحيوي في متابعة أبنائنا وبناتنا في المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة وفي المجتمع، كما أننا نتحمل مسؤولية تربيتهم التربية الصالحة، وأن نرسخ فيهم القيم النبيلة والسلوك الحميد، التي تعد صمام الأمان لحمايتهم وتوجيههم نحو ما يخدم مستقبلهم في العلم والعمل ليكونوا مواطنين إيجابيين ومستنيرين يحملون على عاتقهم مسؤولية التقدم بوطنهم ورفعة شأنه ومكانته. كما ينبغي أن تكون الأسرة شريكاً حقيقياً في دعم مسيرة العملية التربوية والتعليمية من خلال التواصل المستمر مع المؤسسة التعليمية وتقديم المشورة، والمشاركة في الأنشطة والفعاليات، والإسهام في عرض التجارب الناجحة في المجتمع لنكون نموذجاً يحتذى به لأبنائنا وبناتنا الطلبة والطالبات.
وأضاف: حتى يكون هناك حافز لمشاركة الأسرة في تحسين قطاع التعليم، لابد أن يكون هذا الحافز نابعاً من المجتمع نفسه، تلبيةً لاحتياجاته وتحقيقاً لآماله بهدف تحقيق الجودة الشاملة في قطاع التعليم.